3AC5AD8B DE9B 4312 B1E1 ED88C4647FB3 large

بعض الحيوانات المتطورة ثقافياً والسمات المشتركة لها مع البشر

 تعكس المجتمعات البشرية عالمنا الطبيعي الا انه لايبدو ان البشر وحدهم من يمتلك مجتمعات متطورة ويمكن ان تؤثر على الطبيعة بشكل عام.
من خلال الملاحظة والاستفهام لما حولنا من كائنات تم اكتشاف ان هناك مجتمعات للحيوانات المتطورة والمنظمة كما هو الحال في مجتمعاتنا او ربما اعقد حتى.
مما تجدر الاشارة له هو ان الجينات البشرية والثقافة تتطور معًا استجابةً لتحديات الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يوفر التفاعل البشري مع الطبيعة دافعًا قويًا للتطور الجيني والثقافي، فعندما يتفاعل البشر مع الانواع الاجتماعية الاخرى، الذين لديهم القدرة على التطور الثقافي فان ردود فعل البيئة المتطورة يمكن ان يحفز التطور الثقافي السريع لدى البشر وهذا من اهم الفوائد التي يمكن الحصول عليها من تفاعلاتنا كمجموعات مع الطبيعة وكائناتها، وهذا ما نطلق عليه ب ” التطور الثقافي المشترك “.
لدى البشر والعديد من الحيوانات المتطورة اجتماعياً، نظام وراثي مزدوج حيث تتغير ترددات الجينات بمرور الوقت استجابةً للطفرة والانجراف والانتقاء الطبيعي والثقافي (الوراثة الجينية)، بينما تتغير ترددات الميم “والميمات هي وحدات معلومات يتم نقلها بين الأفراد عن طريق التعلم الاجتماعي” (على سبيل المثال، القواعد أو الأغاني أو الأديان أو حتى سلوكيات معينة مثل المصافحة أو الخيارات الغذائية).

وتحصل العديد من الحيوانات المتطورة على المعلومات من خلال التعلم الاجتماعي، ونتوقع تطورًا ثقافيًا مشتركًا حيث يتفاعل البشر عن كثب مع الحيوانات القادرة على التعلم اجتماعيًا (على سبيل المثال، الحيتانيات والفئران والببغاوات والدلافين والغربان).

فيمكن توضيح هذه النظرية من خلال تفصيل التطور الثقافي المشترك بين البشر والطيور على سبيل المثال “Corvus_الغربان”.

اولاً : الغراب

تعتبر الغربان الآن من بين أكثر الحيوانات المتطورة ذكاءً في العالم مع حاصل دماغ مساوٍ للعديد من الرئيسيات غير البشرية.
وتتجمع الغربان في  مجاميع كبيرة يتراوح عددها بين الآلاف من الأفراد مكونة مجتمعات هذه الحيوانات المتطورة المنظمة ولها قوانينها التي تحكم هذا المجتمع.
والتي من اهمها هو وجود محكمة قضائية وتنفيذ عقوبات ضد كل فرد يخالف القوانين السارية على المجموعة.

 وأهم سلوكيات هذه الحيوانات المتطورة هي :

١- وجدت الأبحاث الحديثة أن بعض أنواع الغراب قادرة على استخدام الأدوات، وليس فقط هذا ولكنها أيضًا قادرة على بناء الأدوات واستخدامها في البحث عن الطعام اليومي كما هو الحال في غراب كاليدونيا الجديدة.

ثقافة المجتمعات الحيوانية
غراب يقوم ببناء الادوات للطعام اليومي

 

٢- تُجري الغربان والأعضاء الآخرون المكالمات أو الأصوات، كما لوحظ أن الغربان تستجيب لنداءات للانواع الأخرى، ومن المفترض أن يتم تعلم هذا السلوك لأنه يختلف إقليميا.
واصوات الغربان معقدة وغير مفهومة بشكل جيد، وهي عبارة عن نعرة طويلة تليها سلسلة من النعائر القصيرة، وتختلف هذه الأصوات باختلاف الأنواع، وداخل كل نوع تختلف حسب المنطقة، وهذا يشبه الى حد ما اختلاف لغات البشر المتنوعه لهجياً فيما بينها.

٣- كمجموعة، تُظهر الغربان أمثلة رائعة على الذكاء، تروي كتب التاريخ الطبيعي من القرن الثامن عشر حكاية متكررة في كثير من الأحيان عن “عد الغربان” وعلى وجه التحديد تم إثبات قدرته على العد إلى خمسة أو أربعة من خلال فخ منطقي نصبه مزارع.

٤- وقد وجد أنهم يشاركون في أنشطة مثل الرياضة، واستخدام الادوات، والقدرة على إخفاء وتخزين الطعام عبر المواسم، والذاكرة الشبيهة بالعرض.

٥- والقدرة على استخدام الخبرة الفردية في التنبؤ بسلوك الأنواع القريبة، وكذلك أثبتت الغربان قدرتها على تمييز الأفراد من خلال التعرف على ملامح الوجه.

  ٦- وقد لوحظت الغربان وهي تجند الغربان الأخرى في مواقع التغذية الكبيرة، مثل جيف حيوان.

٧- ومن السلوكيات الذكية والطريفة معاً لهذه الحيوانات المتطوره هي عندما تتحرك السيارات، ترمي الجوز لسحقه، وتطير الطيور إلى الأسفل لتتناول جوزة اللوز المغذيئة، وان مجموعات أخرى من الغربان لا تستخدم السيارات لكسر الجوز، لكنها تسقط الجوز لكسرها.

فثقافتها تشبه ثقافة البشر من حيث التجميع، والصيد، والزراعة،  وأنتجت مجموعة معقدة من الميمات الغرافدية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمجموعة.

ونختم هذا الجزء بالقول أن المثابرة والصبر هي  ميزة الغراب المتطورة كخصائص سلوكية تم تعلمّها في البداية من خلال مشاهدة الأقران أو الآباء وهم في محيط البشر.

ثانياً : النحل 

نظرًا لأنه يمكنهم الحفاظ على علاقة وثيقة مع البشر، فقد تم بحث سلوك نحل العسل جيداً، فنحل العسل حشرات اجتماعية، مما يعني أنهم يعيشون معًا في مجموعات عائلية كبيرة ومنظمة جيدًا. 

الحشرات الاجتماعية هي حشرات متطورة للغاية تشارك في مجموعة متنوعة من المهام المعقدة التي لا يمارسها العديد من الحشرات المنفردة.

فالتواصل وبناء العش المعقد والتحكم البيئي والدفاع وتقسيم العمل ليست سوى بعض السلوكيات التي طورها نحل العسل لتعيش بنجاح في المستعمرات الاجتماعية، هذه السلوكيات الرائعة تجعل الحشرات الاجتماعية بشكل عام، ونحل العسل على وجه الخصوص، من بين أكثر الكائنات الرائعة على وجه الأرض.

 تتكون مستعمرة نحل العسل عادة من ثلاثة أنواع من النحل البالغ: العمال، والذكور، والملكة ولادامة المستعمرة فعي تعمل بشكل جماعي وتعتمد على نظام اتصال فّعال وهذه ميزتها الذكية.

ثقافة المجتمعات الحيوانية
النحل ضمن مجتمعها اليومي

الميزات الذكية لهذه الحشرات :

١- توزيع الفيرومونات الكيميائية بين الأعضاء كوسيلة للاتصال او استخدام “الرقصات” التواصلية فهي المسؤولة عن التحكم في الأنشطة اللازمة لبقاء المستعمرة.  

٢- يعتمد التكاثر وقوة المستعمرة على الملكة وكمية مخازن الطعام وحجم القوة العاملة، مع زيادة حجم المستعمرة إلى حوالي 60.000 عامل كحد أقصى، تزداد كفاءة المستعمرة أيضًا.

٣- يجب ان تفكر في خلايا النحل وانت لا تصدق كيف يمكن لتلك الحشرات الصغيرة التي تدور حول نفسها وأن تصنع ملجأ كاملًا معقدًا ومنظمًا جيدًا!

فيجب عليهم التخطيط بشكل استراتيجي والعثور على الموقع المثالي لمستعمرتهم وخلية النحل وهذا مشابه لاي فريق عمل من المهندسين البشر المسؤولين عن البناء.

حيث يتمتع النحل بالذكاء في اختيار موقع لإنشاء أعشاشه وبنائها، وعادةً ما يستقر في أي مكان يوفر الحماية من عناصر الطبيعة ويبدأ بتشكيل الهيكل، والهيكل عبارة عن مجموعة مكتظة بكثافة من الخلايا ذات الشكل السداسي المصنوعة من قرص العسل والبروبوليس، (البروبوليس هو مادة يجمعها النحل من براعم الأشجار)، ثم يستخدمون البروبوليس لملئ الشقوق وختم أجزاء من قرص العسل.

٤- كما أنه يستخدم عند مدخل خلايا النحل لمنع النحل من إدخال الميكروبات الضارة عن طريق تطهير قاعدة أرجلهم وحقاً انها سلوكيات مجتمعية متطورة وذكية.

وبمجرد تسوية الموقع، يبدأ البناء من الأعلى إلى الأسفل، ويعمل النحل العامل على تجهيز المساحة من خلال تغطية جدار خلية النحل بطبقة رقيقة من البروبوليس.  

  ثم يمضغ الشمع الذي تم إفرازه من قبل النحل حتى يصبح أكثر ليونة ويمكن أن يشكل خلايا فردية تستخدم لتخزين حبوب اللقاح والرحيق والعسل والبيض والماء واليرقات.  

ويمكن للجدران داخل خلية النحل أن تتحمل ثلاثين ضعف وزنها وهذه متانة هندسية لم يسبق لها مثيل، كما أنه سيحتوي على العسل في الأقسام العلوية، وبعد بناء الأقسام العلوية، وتوجد حبوب اللقاح في الصفوف أدناه، تليها الخلايا العاملة، وخلايا نحل بدون طيار “الذكور للاخصاب”. وتوجد خلايا ملكة النحل في الجزء السفلي من الهيكل، وبمجرد بناء الخلية يكون لها مدخل واحد فقط وبذلك فان بيوت هذه الكائنات الصغيرة منظمة بشكل مذهل وستدوم المستعمرة لعدة سنوات.

لذا كان من الضروري ادراج النحل من ضمن ثقافة الكائنات الحية على الارض لما لها من ابداع في مجال هندستها لمستعمراتها ولما لها فوائد عظيم على هذه الأرض.

شاهد ايضاً ما هو مصطلح الذكاء الاصطناعي ؟ والى اين يتجه ؟

ثالثاً : الدلافين 

في عام 1985 شعر ثلاثة باحثون في بعثة علمية بالملل وكان بحثهم عن الدلافين، تظاهر احدهم بأنه بوسايدن (إله البحر الإغريقي) ليجعل أفراد البعثة يضحكون حيث وضع بعض الطحالب على رأسه وكون منها تاجاً وبعد ان ضحكوا رمى التاج في البحر و بعد ثوان ظهر دولفين وعلى رأسه التاج قد تكون هذه صدفة ولكن في الحقيقة الدلفين كان يقلد العالم، هذا لأن الدلافين هم من ثاني أذكى الكائنات الحية بعد الإنسان.

فالدلافين من الحيوانات المتطورة اجتماعية للغاية وغالبًا ما تعيش في مجموعات كبيرة تسمى القرون.  يمكن أن تضم هذه القرون ما يصل إلى المئات منهم.

ويتفق معظم العلماء على أن الدلافين ذكية جدًا، وهم مقلدون موهوبون معروفون ومتعلمون سريعون، يظهرون وعيًا ذاتيًا وحل المشكلات والتعاطف والابتكار ومهارات التدريس والحزن والفرح والمرح.

 ما مدى ذكاء الدلافين ؟

مجتمعات الدلافين الذكية
صورة توضيحية للدلافين  وهي تلعب

بدايتاً من المعروف ان هذه الحيوانات المتطورة الذكية جداً ولايمكننا قياس مدى ذكائها او حتى مقارنته، فهم ليس لديهم أيدي ويتواصلون بشكل مختلف تمامًا عنا.

في الواقع، يبدو أن الدلافين تتمتع بذكاء فضائي لا يسبر غوره تقريبًا، وهو يختلف تمامًا عن ذكاءنا لدرجة أنه ربما يكون السؤال الأفضل الذي يجب طرحه هو “كيف تتمتع الدلافين بهذا الذكاء” ؟

الجواب هو العقول الكبيرة، فالدلافين لها أدمغة كبيرة، ان الدلافين لها نسبة دماغ إلى جسم في المرتبة الثانية بعد البشر.

ومن السلوكيات الذكية للكائنات ذات الأدمغة الكبيرة (الحيوانات المتطورة) هذه هي:

ثقافة المجتمعات الحيوانية
صورة دولفين يلعب بالقرب من المرجان البحري

١- هم الحيوانات المتطورة اجتماعياً وسلوكهم معقد  فقد تلد الإناث ذرية قليلة فقط طوال حياتهن وتعتني بكل طفل بشكل استثنائي أثناء تعليمهن المهارات الحياتية ويأخذ الصغار وقتهم في النمو، ويصبحون ناضجين جنسياً ومستقلين عن أمهاتهم.

 ٢- لديهم منطقة كاملة مخصصة لتحديد الموقع بالصدى، وتستطيع الدلافين “الرؤية” باستخدام السونار وتسمى هذه المهارة أو القوة العظمى بتحديد الموقع بالصدى. فينتقل الصوت في الماء بشكل أفضل بكثير من الضوء، لذا فمن المنطقي أن تشعر الدلافين بمحيطها بالصوت، ويستخدمون تحديد الموقع بالصدى للصيد والتنقل حتى في المياه المظلمة أو العكرة. 

٣-  تحتوي أدمغة الدلافين على خلايا دماغية متخصصة تسمى الخلايا العصبية المغزلية، وترتبط هذه بالقدرات المتقدمة مثل الإدراك والتذكر والاستدلال والتواصل والتكيف مع التغيير وحل المشكلات والفهم.

لذلك يبدو أنهم مفكرون عميقون! 

٤- ليس هذا فقط، ولكن يبدو أن جزء الدماغ الذي يعالج المشاعر (الجهاز الحوفي) أكثر تعقيدًا من عواطفنا.

٥- قيل أن اللعب هو تعبير عظيم عن الذكاء، والدلافين حيوانات متطورة حائزون على ميداليات ذهبية في هذا المجال، ولديها  من الالعاب المبتكره ما يدهشك، فعادتاً ما تسبح الدلافين على أنف الحيتان، التي ترفع نفسها بعد ذلك من الماء إلى ارتفاع كبير، بحيث تنزلق الدلافين إلى أسفل رؤوسها برذاذ عظيم، ومع تكرار اللعبة مرارًا وتكرارًا، يبدو من الواضح أن كلا الكائنان يستمتعان بها وغيرها الكثير، وهذا مظاهي لقدرات البشر طبعاً.

٦- طورت الدلافين قارورة الأنف في أستراليا مجموعة كبيرة من الأدوات والأساليب للمساعدة في أوقات الوجبات، مجموعة واحدة، تُعرف باسم “الإسفنج” ، تمسك بإسفنجة البحر وتغوص معها في قاع البحر.  يمسكون الإسفنج بإحكام في أفواههم، ثم يدفعونه في قاع البحر الرملي، مما يزعج الأسماك المختبئة وتظهر السمكة، ويتم إسقاط الإسفنج وتؤكل الوجبة، وتلتقط الأداة لمزيد من البحث عن الطعام.  وايضاً تحمي الإسفنج أنوف الدلافين من الخدوش بنفس الطريقة التي نحمي بها أيدينا بالقفازات.

وايضاً طورت الدلافين ثقافة قيادة الأسماك إلى شباك الصيادين، وإرسال الإشارات للصيادين، فينتظر الصيادون المتواجدون على الشاطئ أن تشير الدلافين إلى أنها جمعت الأسماك قبل أن ترمي شباكها، ثم تصطاد الدلافين بسهولة الأسماك المشوشة التي تتسرب حول الشباك.

وهذا السلوك للحيوانات المتطورة ثقافياً تم تعلمه اجتماعيًا، الا انه لا يوجد في جميع مجموعات الدلافين.

فالتطور المشترك الثقافي بين البشر والدلافين مقيد جغرافيا. 

 ٧- وأخيرًا، تطور مهارة التعلم والتعليم لديها وهناك بعض الأمثلة الفريدة للتعلم الاجتماعي ونقل المعرفة التي أظهرتها الدلافين الفردية، “الأول هو بيلي” دلفين حُصر في قفل بحري في الثمانينيات، تم إنقاذها وإعادة تأهيلها في الأسر قبل إطلاق سراحها مرة أخرى في البرية بعد ثلاثة أسابيع فقط، واندهش العلماء عندما رأوا أنها، عند عودتها إلى البحر بدأت في المشي على ذيلها، وهي خدعة تم تعليمها في الحدائق البحرية للحصول على مكافآت يجب أن تكون قد لاحظتها، على الرغم من أنها خلال تلك الأسابيع الثلاثة لم تتدرب بنفسها، وإن اكتساب المهارة بسرعة كبيرة هو شيء واحد.

ولكن سرعان ما كانت بيلي تعلم رفاقها المتوحشين أن يفعلوا الشيء نفسه، من أجل المتعة فقط!

ثم هناك “كيلي”، و هي دولفين تعيش في مركز أبحاث في الولايات المتحدة، وقد تم تدريبها على إبقاء خزانها نظيفًا، في كل مرة تجلب فيها قطعة من القمامة إلى مدربها، تكافأ بسمكة.  لذا فقد بنيت على الفكرة، والآن عندما تعثر على قطعة من الورق، تقوم بتثبيتها تحت حجر، وتمزق القطع الفردية، والتي تجلبها إلى السطح واحدة تلو الأخرى، وهكذا فإن قطعة واحدة من القمامة تكسبها عدة سمكات هذا بحق يعتبر ذكاء طريف.

لم تبتكر هذه الاستراتيجيات الرائعة بنفسها فحسب، بل ان هذا يعتبر تعاون مسالم بينها وبين البشر ومثال رائع للتعلم الاجتماعي و الثقافي وذكاء عظيم.

____________________________________________
الكاتب : تمارا الباشا

المصدر الاول

المصدر الثاني 

المصدر الثالث

المصدر الرابع 

المصدر الخامس

المصدر السادس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top