parallel world 3488497 960 720 large

الأكوان المتوازية: ما بين الدليل والنظرية

هل إنّ هناك ما هو فريد حيال كوننا ومميز؟ التصوّرُ بأنّ هناك أكوانًا أخرى إلى جانب كوننا هذا وموازية له هو تصوّر ليس بغير الشائع في الخيال العلمي (والحقائق العلميّة)، وهو ما يُصطلح عليه “بالأكوان المتوازية” Parallel Universes – وجه من وجوه النظريّة الفلكيّة المعروفة بنظريّة الأكوان المتعددة Multiverse؛ عوالم متوازية، فيها كل قرار لك أن تتخذ وكل خيار لك أن تختار، قد قمت به في حيوات بديلة، مفهومٌ ذائع في الكتب المصوّرة والألعاب الفيديويّة والسلاسل المتلفزة والأفلام، من Star Trek و Doctor Who وحتى Stranger Things و His Dark Materials، فهل هناك من البرهان على تعدد الأكوان؟

الأكوان المتوازية

مذ حوالي 13.7 مليار سنة مضت، كان كلّ ما نعرف وندرك في هذا الكون في حالة متناهية الصغر والدقّة من الأحاديّة – إن صحّ التعبير، لكنّ مؤثرًا ما، حسب ما تقترح نظريّة الإنفجار العظيم، دفعه إلى التمدد والتضخّم في الفضاء ثلاثيّ الأبعاد. تولّد الضوء وتبلّج حيث أخذت الطاقة الجبّارة المتولّدة جرّاء هذا التوسع بالفتور، وتركبت الدقائق الصغيرة  في الأجسام الأكبر التي نعرف اليوم من المادّة، فكانت المجرّات والأجرام والنجوم والكواكب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل إنّ كوننا هو الكون الوحيد؟ نحن محدودون (لمحدوديّة ما عندنا من التقانة في راهن الزمن) في قدرتنا على إجابة هكذا أسئلة، فكل ما بمقدورنا هو الرصد والملاحظة في حدود كوننا المنحني هذا، نرى في حوض السمك ما في حوض السمك، ولا نرى ما خارجه (إن كان هناك خارج).

النظريات

هناك خمس نظريات على الأقل تجعل من تعدد الأكوان إحتمالًا ممكنًا؛ أوّلها هي أنّ الأكوان لا متناهية، وبما أننا لا نعرف على وجه الدقّة ما شكل الزمكان، فإن إحدى النظريات القائمة هي أنْ يكون شكله مسطحًا ومستمرًا إلى الأبد، وأنّ الأكوان تعيد نفسها. صيغت ثاني هذه النظريّات على مبدأ “التمدد الأبدي“، وحسب هذه النظرية، فإن بعض أجزاء الفضاء إستمرت بالتمدد رغم توقف أخرى عنه، فتتخيل الكون كما لو كان فقاعة في حمام من الفقاعات يمثل كل منها كونًا؛ المثير للإهتمام أنّ قوانين الفيزياء التي تحكم كلًا من هذه  الأكوان قد تختلف عن أيّ منها! أمّا نظرية الأكوان  الوليدة فترى أن الأكوان المختلفة  تتبع قوانين مكيانيكا الكم، وأنّ هناك عوالمًا تم إتخاذ كل خيار ممكن فيها لكل إختيار، ففي عالم ما، أخذت تلك الوظيفة في الصين، وفي آخر حطّت طيارتك إلى الصين في مكان ما وراق لك المكوث هناك فلم تأخذها أبدًا، وهكذا. قدّم ماكس تيغمارك Max Tegmark من معهد ماساشوتس للتقنية MIT  نظرية رابعة هي نظرية الأكوان الرياضيّة، حيث تختلف الحسابات والرياضيّات جذريًا بين الأكوان؛ “أؤمن بأنّ هناك كونًا ما له أن يتواجد بغض النظر عمّا إذا كان للبشر فيه أن يتواجدون أو لا”. أخيرًا، وليس آخرًا، النظرية الخامسة، نظرية الأكوان المتوازية، حيث نعود إلى مفهوم الزمكان المسطح وتعدد الهيئات التي يمكن أن تتركب فيها الدقائق في الأكوان المختلفة (10^10^122 هيئة  مختلفة بالضبط!)؛ تترتب الدقائق في عدد لا نهائي من “الرقع” الكونيّة Cosmic Patches، ولأن العدد لا نهائي فإن الهيئات المختلفة تتكرر في عدد لا نهائي من الرقع الكونية: عوالم متوازية، رقع كونية  متطابقة تمامًا… إلّا جسيمًا واحدًا… أو جسيمين؟… أو كونًا مختلفًا كليّة الإختلاف عن كوننا هذا!

الأكوان المتوازية: الإختلاف في الآراء

في آخر ورقة بحثيّة نشرها قبل مماته عن تعدد الأكوان، قال الفيزيائي ستيفن هوكنغ، في لقاء أجرته معه واشنطن بوست عن تعدد الأكوان في أيار العالم 2018، بأن نتائج أبحاثه تقتضي ضمنًا بأن هناك أكثر من العوالم من كوننا الواحد والوحيد والمميز، لكن عددًا أصغر مما قد تتوقع أن يكون ممكنًا من الأكوان.

على أية حال، لا يتفق الجميع من أهل الإختصاص مع نظرية العوالم المتوازية؛ في مقال نشره له ميديم Medium عام 2015، عالم الفلك إيثان سيغل Ethan Siegal  – رغم اتفاقه مع إمكانية كون الزمكان لا محدودًا، قال بأنّه يرى إنّ لتلك الإمكانية ذاتها حدودًا. الإشكاليّة الأساسيّة هاهنا هي إنّ عمر الكون لا يتجاوز 14 مليار سنة، أي أنّ عمر الكون بالأحرى هو الآخر محدود، ما يحدّ بالتالي من عدد الترتيبات الممكنة للدقائق والجسيمات، ما يقلل حظوظ كونك قد سافرت للصين في أكوان بديلة لسوء الحظ (أو لحسن الحظ؟، المترجم).

مقالات ذات صلة: دراسة تجريبية جديدة تدعم وجود القوة الخامسة في الكون و جسيمات اخرى غير معروفة

“لو تركنا جانبًا كلًا من المشاكل المتعلقة بلا نهائيّة أعداد القيم الممكنة للثوابت الأساسية والدقائق والجسيمات والتفاعلات وتلك المتعلقة بمسائل التأويل والتفسير، كالتساؤل عن مدى مطابقة تفسيرات تعدد العوالم لواقعنا – الواقع الفيزيائي،” يقول سيغل عن الأكوان المتوازية، “حقيقة الأمر هي إن أعداد المخرجات الممكنة تتصاعد بسرعة كبيرة جدًا (أسرع من تنامٍ أسيّ)، بسرعة تجعل من غير الممكن أن يكون هناك من الأكوان كونًا مطابقًا لكوننا (ما لم يكن التضخم الكونيّ يحدث لوقتٍ مطلقٍ حقًا من الزمن)”.

بدل أن يرى سيغل هذا كتحديد وتقييد، يعتنق فلسفة الإحتفاء بهذه الوحدانيّة والتميّز، وإتخاذ المرء للقرارات التي لا تتركه في ندم وأسى، لأنّ إختيارك للخيارات المغايرة ليس ليكون ولا حتى في عوالم أخرى، وإنك وحدك القادر على جعل الأحلام باتخاذ هكذا قرارات واقعًا وحقيقة!

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top